خطة ترامب لنشر قوات في شيكاغو وتجاوزاته القانونية

مقدمة

خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لنشر قوات عسكرية في شيكاغو تعكس تحوّلاً خطيراً في طبيعة العلاقة بين السلطة التنفيذية والقوانين الفدرالية المنظمة للعمل العسكري داخل الولايات المتحدة. ورغم أن الإدارة تبرر الخطوة بمكافحة الجريمة والهجرة غير النظامية، إلا أن المضمون الحقيقي يتمثل في تجاوز واضح للتقاليد والقوانين التي تمنع عسكرة المدن الأمريكية. هذه التطورات أثارت جدلاً سياسياً وقانونياً واسعاً حول مستقبل الديمقراطية الأمريكية وحدود صلاحيات الرئيس.

البعد الأمني

ترامب يقدّم الخطة على أنها استجابة للوضع الأمني في شيكاغو، المدينة التي سجّلت 573 جريمة قتل عام 2024. الخطة تتضمن تعبئة آلاف من عناصر الحرس الوطني ابتداءً من سبتمبر/أيلول المقبل، مع طرح احتمال – وإن كان ضعيفاً – لنشر قوات نظامية. لكن الخطورة تكمن في أن استخدام الجيش في مهام إنفاذ القانون يمثل تجاوزاً تقليدياً للقوانين الأمريكية، التي تُسند مهام الأمن الداخلي إلى الشرطة المحلية وأجهزة إنفاذ القانون المدنية.

البعد السياسي

ترامب وصف شيكاغو بأنها “مدينة في حالة فوضى”، متهماً عمدتها وحاكم الولاية بسوء الإدارة. هذه التصريحات ليست مجرد توصيف، بل هي خطاب سياسي يهدف إلى تبرير توسيع صلاحيات الرئيس على حساب حكومات الولايات. السلطات المحلية رفضت الخطوة، مؤكدة أن الهدف منها سياسي أكثر من كونه أمنياً. بذلك، يتضح أن ترامب يوظف الملف الأمني كسلاح انتخابي لتعزيز صورته كرجل “القانون والنظام”، حتى ولو كان ذلك عبر انتهاك التوازن الدستوري بين الفدرالية والولايات.

البعد القانوني

القانون الأمريكي، وتحديداً قانون “بوسيه كوماتيتوس”، يمنع القوات النظامية من تنفيذ مهام إنفاذ القانون المدني. في السابق، استخدم ترامب القوات في لوس أنجلوس رغم اعتراض السلطات المحلية، ما دفع محكمة فيدرالية إلى اعتبار قراراته غير قانونية قبل أن تُعلق محكمة الاستئناف الحكم. إعادة تكرار السيناريو في شيكاغو تعني أن ترامب لا يكتفي بتجاوز القوانين، بل يسعى لترسيخ سابقة خطيرة تسمح للرئيس باستخدام الجيش داخلياً ضد إرادة الولايات. وهذا يمثل مساراً نحو الدولة البوليسية، حيث تصبح السلطة العسكرية أداة مباشرة في يد الرئيس لتقييد المعارضين السياسيين.

البعد الاقتصادي والاجتماعي

نشر قوات عسكرية في مدينة كبرى مثل شيكاغو سيحمل تكاليف مالية ضخمة، إضافة إلى آثار اجتماعية خطيرة. فوجود الجيش في الشوارع سيؤدي إلى ترهيب السكان ويزيد من الاحتقان، خصوصاً في المجتمعات المهاجرة والأقليات. كما أن توسيع صلاحيات وكالة الهجرة والجمارك (ICE) لزيادة الاعتقالات اليومية يهدد سوق العمل المحلي، ويضرب قطاعات تعتمد على العمالة المهاجرة مثل الزراعة والخدمات. النتيجة المباشرة هي تراجع الثقة بين السكان والحكومة، وزيادة الفوضى التي يدّعي ترامب أنه يحاربها.

الأبعاد الانتخابية

الخطوة تأتي قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة، ما يجعلها جزءاً من استراتيجية ترامب لتقديم نفسه كمرشح “القوة والنظام”. لكن في المقابل، ينظر إليها خصومه على أنها محاولة لبناء دولة عسكرية بوليسية تتجاوز القوانين والدستور. هذا يعمّق الانقسام المجتمعي والسياسي، ويحوّل الملف الأمني إلى أداة انتخابية خطرة.

الخلاصة

خطة ترامب لنشر قوات في شيكاغو ليست مجرد إجراء أمني؛ إنها خطوة سياسية وقانونية تحمل دلالات أعمق. فهي تعكس رغبة واضحة في تجاوز القوانين الأمريكية الراسخة وتوسيع سلطة الرئيس على حساب الولايات والمؤسسات الديمقراطية. بهذا، تقترب الولايات المتحدة من نموذج الدولة العسكرية البوليسية، حيث يصبح الجيش أداة للسيطرة السياسية الداخلية. وإذا لم تواجه هذه التجاوزات بمقاومة سياسية وقانونية، فقد تؤسس لسابقة تهدد جوهر النظام الفدرالي الأمريكي.