العراق في قلب توازنات القوى الإقليمية: قراءة تحليلية موسعة

Close-up fragment of a world map with selective focus on Jordan,Jerusalem,Israel,Iarq,Kuwait

المقدمة

العراق ليس مجرد دولة ضمن خارطة الشرق الأوسط، بل هو ساحة مركزية تتقاطع عندها مصالح القوى الإقليمية والدولية. موقعه الجغرافي، موارده الطبيعية، وتاريخه السياسي يجعله في صلب ديناميكيات الأمن الإقليمي كما يصورها باري بوزان في نظريته عن “المجمع الأمني الإقليمي” حيث لا أمن لأي دولة بمعزل عن محيطها. من هنا يصبح العراق عنصراً فاعلاً في توازنات تركيا، إيران، السعودية، مصر، الإمارات، الجزائر، والمغرب، وفي الوقت نفسه ساحة اختبار محتملة لأي صراع واسع بين إيران و”إسرائيل”.

أولا: العراق وتركيا

– الأمن والسيادة: أنقرة تعتبر شمال العراق امتداداً لمصالحها الأمنية ضد حزب العمال الكردستاني، ما يجعل التنسيق الأمني مع بغداد ضرورة.
– الاقتصاد والطاقة: مشروع “طريق التنمية” الرابط بين البصرة وتركيا مروراً بالخليج يمثل أداة لإعادة رسم خرائط التجارة الإقليمية.
– التوازن مع إيران: العراق يشكل ساحة تنافس تركي-إيراني في ملفات مثل الموصل، سنجار، وممرات النقل الدولية.

ثانيا: العراق وإيران

– العمق الاستراتيجي: العراق هو الحلقة الأهم في “محور المقاومة” الممتد من طهران إلى بيروت.
– النفوذ السياسي: الأحزاب والفصائل المسلحة الموالية لإيران تجعل بغداد رهينة نسبية للتوازنات الإيرانية.
– التأثير في الانتخابات: أي تصعيد بين طهران وتل أبيب سيضع العراق في قلب الأزمة، إذ تتحول فصائله المسلحة إلى جزء من المواجهة، ما يضغط على شرعية الانتخابات المقبلة.

ثالثا: العراق والسعودية

– التقارب الاقتصادي: الرياض تسعى إلى تعزيز استثماراتها في العراق وتطوير التعاون في مجال الطاقة الكهربائية والزراعة.
– التوازن مع إيران: السعودية ترى في العراق خط دفاع أمامي للحد من نفوذ طهران، لكنها تتحرك بحذر حتى لا ينزلق الوضع إلى مواجهة مباشرة.
– البعد السياسي: أي انتخابات عراقية حرة ومستقرة تعني فرصة للرياض لإيجاد حلفاء سياسيين يحققون نوعاً من التوازن داخل النظام العراقي.

رابعا: العراق ومصر

– العمالة والاستثمار: مئات الآلاف من المصريين يعملون في العراق، ما يجعل الاستقرار السياسي والأمني هناك ضرورة لمصالح القاهرة.
– التنسيق العربي: مصر ترى في العراق قاعدة لتعزيز الموقف العربي في مواجهة النفوذ الإيراني والتركي.
– المكاسب المتوقعة: المشاريع المشتركة في مجالات البنية التحتية والطاقة تعزز ارتباط البلدين، وتدعم الاقتصاد المصري المتعثر.

خامسا: العراق والإمارات

– الاستثمار والبنية التحتية: أبوظبي تركز على مشاريع إعادة الإعمار والموانئ والطاقة.
– التوازن الإقليمي: الإمارات ترى في العراق مجالاً لتعزيز دورها كلاعب اقتصادي لوجستي يربط الخليج بالشام وأوروبا.
– البعد الأمني: رغم تجنبها الانخراط العسكري المباشر، إلا أن استقرار العراق يظل جزءاً من استراتيجية “تصفير المشاكل” الإماراتية.

سادسا: العراق والجزائر والمغرب

– الجزائر: تتبنى موقفاً داعماً للعراق داخل المحافل الدولية، خاصة في قضايا الأمن الإقليمي والتوازن مع النفوذ المغربي الإسرائيلي.
– المغرب: تطبيع الرباط مع “إسرائيل” يضع بغداد أمام تحدي في تحديد موقفه داخل الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، خصوصاً في ظل حساسية العراق تجاه القضية الفلسطينية.

الحرب الإيرانية الإسرائيلية المحتملة وانعكاسها على العراق

الحرب بين طهران وتل أبيب ليست سيناريو بعيداً بل احتمال قائم مع استمرار التصعيد في غزة وتنامي القدرات الإيرانية الصاروخية والنووية.
– العراق كساحة مواجهة: أي حرب ستجعل من الأراضي العراقية مسرحاً لضربات متبادلة، سواء عبر الفصائل المسلحة أو عبر استهداف القواعد الأمريكية.
– الاقتصاد العراقي: الحرب ستؤدي إلى تعطيل صادرات النفط عبر الخليج، ما ينعكس مباشرة على إيرادات العراق المالية.
– الشرعية السياسية: في حال اندلاع الحرب، قد تؤجل الانتخابات أو تجرى وسط استقطاب شديد، ما يهدد شرعيتها ويفتح الباب أمام احتجاجات واسعة.
– التدخل الدولي: الولايات المتحدة ستضغط لتثبيت وجودها العسكري في العراق، فيما ستسعى روسيا والصين لتوظيف الأزمة لتعزيز نفوذهما.

الانتخابات العراقية في ظل الوضع الإقليمي والدولي

– الداخل العراقي: الانقسام السياسي والطائفي سيشتد مع أي مواجهة إيرانية إسرائيلية. القوى القريبة من طهران ستواجه اتهامات بجر العراق إلى صراع خارجي.
– الخليج ومصر: هذه الدول ستدفع باتجاه دعم قوى سياسية عراقية تسعى لتحجيم النفوذ الإيراني.
– تركيا: قد تستغل الفوضى لتعزيز وجودها العسكري في شمال العراق، وتوسيع نفوذها الاقتصادي.
– إسرائيل: رغم غياب العلاقات المباشرة، إلا أن تأثيرها غير المباشر حاضر عبر التحالفات مع دول خليجية وبعض القوى الدولية.

الخاتمة التحليلية

العراق يقف على مفترق طرق. الحرب المحتملة بين إيران و”إسرائيل” ستكشف مدى قدرة بغداد على صياغة سياسة خارجية متوازنة. الانتخابات المقبلة لن تكون مجرد استحقاق داخلي، بل اختبار لمدى استقلالية القرار العراقي وسط صراع إقليمي متفجر.

يبقى السؤال الأهم: هل يملك العراق الإرادة والقدرة على أن يكون فاعلاً يوازن بين القوى، أم سيظل ساحة صراع مفتوحة بيد الآخرين؟