مشهد العزلة الأمريكية والتخطيط لمستقبل غزة

مجلس الأمن.. عزلة غير مسبوقة

شكّلت جلسة مجلس الأمن الأخيرة بشأن الحرب على غزة علامة فارقة في السياسة الدولية، فقد وجدت الولايات المتحدة نفسها وحيدة في مواجهة العالم كله، بعد أن استخدمت مجدداً حق النقض (الفيتو) لحماية إسرائيل من أي إدانة أو مساءلة.


حيث ادان جميع أعضاء المجلس، بمن فيهم أقرب الحلفاء التقليديين لواشنطن الحرب بوصفها إبادة جماعية وحصاراً ممنهجاً يطال المدنيين، ويستهدف المستشفيات، والصحفيين، والنساء، والأطفال.
وقد مثّل البيان المشترك الصادر عن المجلس، رغم تعطيل القرار الرسمي إدانة سياسية وأخلاقية لأمريكا وإسرائيل معاً، وأكد على:

  • وقف فوري وكامل وغير مشروط لإطلاق النار.
  • إطلاق سراح الأسرى والرهائن.
  • إدانة استخدام التجويع كسلاح حرب، وتحميل إسرائيل المسؤولية المباشرة عن المجاعة في غزة.
    الأهم من ذلك سجّلت الجلسة لحظة سياسية فارقة (عزلة الولايات المتحدة عن العالم بأسره)
    بما في ذلك حلفاؤها الغربيون، وهو ما ينذر بتآكل شرعية النظام الدولي إذا استمر الانحياز الأمريكي المطلق لإسرائيل.

البيت الأبيض.. ما بعد الحرب

استضاف البيت الأبيض اجتماعاً استثنائياً برئاسة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، حضره شخصيات بارزة تكشف طبيعة المخطط المرسوم لمرحلة ما بعد الحرب.
أبرز الحضور:
  • إيتمار دريمر، الوزير الأقرب لنتنياهو.
  • جاريد كوشنر، صهر ترامب ومستشاره السابق، وصاحب فكرة استثمار شاطئ غزة ضمن مشروع “ريفيرا الشرق الأوسط”.
  • توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، وأحد المسؤولين المباشرين عن الحرب على العراق، والذي يلعب دوراً مشبوهاً جديداً في ملف غزة.
 برّر المبعوث الأمريكي ويتكوف الاجتماع بخطة “إنسانية” لليوم التالي، لكن حضور كوشنر وبلير كشف أن الهدف الحقيقي هو إعادة إنتاج مشاريع قديمة تمثلت:

  • مدينة الخيام الإنسانية في جنوب غزة، لاستيعاب مليون نازح بعد تدمير شمال القطاع، في خطوة تمهيدية للتهجير الخارجي.
  • إدارة المساعدات والرقابة على الغذاء كأداة للضغط السياسي، عبر مؤسسات واجهة مثل “مؤسسة غزة الإنسانية”.
    – هذه الرؤية تصب في اتجاه:
  • فرض أمر واقع جديد يقوم على النزوح الجماعي والتجويع.
  • الالتفاف على موجة الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
  • منح إسرائيل غطاء أمريكياً لمواصلة الحرب حتى استكمال مخطط التهجير.

نتنياهو.. استثمار الحرب

رد فعل نتنياهو جاء مزدوجاً:

  • استمرار العمليات العسكرية واقتحام مدينة غزة بدعم أمريكي مباشر.
  • الترحيب بإدارة أمريكية للقطاع بعد الحرب، إذا ما قرر ترامب ذلك.
    بذلك يتضح أن التحالف الأمريكي ـ الإسرائيلي يركز حالياً على:
  • استكمال تدمير مدينة غزة ومحيطها.
  • تهجير مليون فلسطيني إلى مدن خيام في الجنوب.
  • إبقاء بقية سكان القطاع تحت الحصار والتجويع.

قراءة معمقة

على المستوى الدولي: عزلة واشنطن تضعف قدرتها على التحكم بالنظام الدولي، وتكشف حدود “الفيتو” عندما يصبح في مواجهة إجماع عالمي.
 على المستوى الإقليمي: المشروع الأمريكي ـ الإسرائيلي يكرّس فكرة التهجير كحل عملي، ويعيد إنتاج سيناريوهات النكبة بأساليب “إنسانية” مضللة.
على المستوى الفلسطيني: الخطر الأكبر ليس فقط استمرار الحرب، بل التحول إلى مرحلة “ما بعد غزة”، حيث يسعى التحالف لإعادة رسم الجغرافيا والديموغرافيا بالقوة.

خاتمة

في يوم واحد اجتمع مشهدان متناقضان:
– عزلة الولايات المتحدة في مجلس الأمن، وانكشاف دعمها غير المشروط لإسرائيل.
– اجتماع البيت الأبيض الذي أعاد إلى الواجهة سماسرة الحروب والمشاريع الوهمية.

المحصلة أن العالم بأسره يواجه لحظة مفصلية: إما كبح جماح الغطرسة الأمريكية ـ الإسرائيلية، أو الانزلاق إلى انهيار قواعد النظام الدولي ومزيد من الفوضى الإقليمية.