بداية جديدة: بنغلاديش تسعى لتعزيز علاقاتها الدولية في ظل التغيرات السياسية

في مشهد يتسم بالديناميكية والتغير، اختتم مسؤولو الحكومة الأميركية زيارة هي الأولى من نوعها للعاصمة داكا،
بعدما مرت خمسة أسابيع على سقوط حكومة الشيخة حسينة وتولي محمد يونس رئاسة الحكومة المؤقتة.
 هذه الزيارة، التي قادها مساعد وزير الخزانة الأميركي برينت نيمان، تمثل بداية جديدة في العلاقات بين الولايات المتحدة وبنغلاديش، إذ أكد الوفد الأجنبي حرص واشنطن على التعاون مع الحكومة المؤقتة في مساعيها لانتشال البلاد من أزمتها السياسية والاقتصادية.

من الواضح أن يونس، في هذا السياق، يسعى لتوجيه بنغلاديش نحو إصلاحات شاملة تشمل استرداد الأموال المهربة، ومساهمة بلاده في تحسين حقوق الإنسان، والتعامل مع قضايا التغير المناخي. ووفقًا لما نقلته وسائل الإعلام البنغلاديشية، استغل يونس اجتماع الفريق الأميركي لطلب مساعدة الجانب الأميركي في إصلاحات مالية وإدارية، داعيًا واشنطن للتعاون في هذه الملفات الحيوية.

تحدث الجانبان عن توقيع اتفاقية منحت بموجبها الولايات المتحدة مبلغ 202.25 مليون دولار كدعم تنموي لبنغلاديش، مما يعكس التزام واشنطن بالمساعدة في تعزيز الاستقرار والازدهار في البلاد. هذا الدعم، الذي يأتي عبر الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، يعد جزءًا من مساعٍ أكبر تمثل تعهدًا ماليًا يصل إلى 954 مليون دولار حتى عام 2026. كما تطرق الطرفان إلى أهمية تقديم المساعدات الإنسانية والتنموية لتحسين الظروف المعيشية في البلدان الأقل نموًا، وهو أمر يزيد من متانة العلاقات بين الجانبين.

في السياق الأوسع، حيث تعيش بنغلاديش مرحلة مترابطة مع تغيرات جذرية في سياستها الخارجية، يبدو أن العلاقة مع باكستان،
التي كانت تشوبها الكثير من التوترات في ظل حكومة الشيخة حسينة، في طريقها إلى التحسن. في الواقع، تعتبر باكستان تاريخيًا جارة وبنغلاديش كانت في حالة من العزلة معها إلى حد كبير، منذ انفصال الأخيرة عن باكستان في عام 1971.
ومع ذلك، ومع تزايد الضغوط السياسية من القوى الخارجية، قد يفتح التغيير السياسي الأخير في داكا آفاق جديدة لعودة العلاقات الثنائية.

تحمل هذه العلاقات تاريخًا مُعقدًا، إذ لا تزال الذكريات المؤلمة للحرب الأهلية من 1971 والتي رافقت انفصال بنغلاديش،
تلقي بظلالها على التواصل بين البلدين. وفي السنوات الأخيرة، حاولت الحكومة الباكستانية تحسين صورتها في نظر العامة
في بنغلاديش، وفي هذا السياق، تم إجراء عدة محادثات والتطبيق الفعلي للخطوط الجوية المباشرة بين دولتي بنغلاديش وباكستان لتعزيز الروابط الاقتصادية والشعبية.

وفقًا لتصريحات صحفية، قد يتطلع رئيس وزراء باكستان شهباز شريف ومحمد يونس لعقد لقاء قريب خلال قمة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو ما يؤشر على أن الفترة المقبلة قد تشهد جهودًا لتعزيز العلاقات بما يعود بالنفع على كلا البلدين. يتوقع مراقبون
أن تشمل هذه الجهود تعزيز التعاون في مجالات مثل التجارة، والأمن، ومكافحة الإرهاب.

وفي الوقت الذي تطمح فيه بنغلاديش لتحسين العلاقات مع جارتها باكستان، لا يبدو أن الأمور تسير بسلاسة مع الهند،
حيث تواجه بنغلاديش تحديات تتعلق بإدارة موارد المياه والنزاعات الحدودية التي تظهر بين الحين والآخر. فعلى سبيل المثال، أثار بناء السدود الهندية فوق الأنهار التي تعبر إلى بنغلاديش جدلاً واسعاً، وهو ما دفع الكثير من المراقبين إلى الدعوة لتأسيس اتفاقيات تضمن حقوق البلدين.

جاءت هذه الديناميكيات في وقت تسعى فيه بنغلاديش لتعزيز استراتيجياتها الجديدة؛ إذ تهدف إلى إقامة علاقات متوازنة مع القوى الإقليمية والدولية، بما في ذلك الصين التي تعد أحد أكبر الشركاء التجاريين لها. حيث أعلنت بكين مؤخرًا عن إعفاء جميع المنتجات البنغلاديشية من الرسوم الجمركية، وهو ما سيعزز التجارة بين البلدين.

كل هذا يحدث في مشهد دولي يتسم بالتغيرات السريعة، حيث تتطلع بنغلاديش نحو إعادة تعريف دورها في الإقليم، ساعيةً إلى التوازن بين العلاقات مع القوى العظمى مثل الولايات المتحدة والصين، وتعزيز الروابط مع جارتها باكستان. “إنها لحظة حاسمة” كما أشار العديد من المحللين، فهذا التوجه الجديد قد يساهم في إعادة تشكيل السياسة الخارجية لبنغلاديش ويعزز من مكانتها الإقليمية والدولية. التحديات التي تواجهها بنغلاديش، سواء في علاقاتها مع الهند أو باكستان، تمثل فرصة لإعادة تقييم استراتيجياتها الدبلوماسية. فمع رغبة الحكومة الجديدة في تحسين العلاقات مع باكستان، هناك حاجة ملحة للتغلب على التاريخ المعقد وإيجاد أرضية مشتركة تعزز التعاون في مجالات مثل التجارة والأمن.

وفيما يتعلق بالعلاقة مع الهند، يتعين على بنغلاديش معالجة القضايا العالقة بخصوص إدارة المياه والنزاعات الحدودية. من الضروري أن يتم التوصل إلى اتفاقيات تضمن حقوق البلدين وتحقق الاستفادة المشتركة، خاصةً في سياق تغير المناخ الذي يؤثر على الموارد المائية.

علاوة على ذلك، إن تعزيز العلاقات مع الصين، التي تعتبر شريكًا تجاريًا رئيسيًا، سيفتح آفاقًا جديدة للنمو الاقتصادي. الإعفاءات الجمركية على المنتجات البنغلاديشية تعد خطوة إيجابية نحو تعزيز التجارة، مما يعكس استراتيجيات بنغلاديش في تنويع شراكاتها الاقتصادية.

بالتالي، يبدو أن بنغلاديش في مرحلة حساسة ومهمة تتطلب اتخاذ قرارات استراتيجية مدروسة، تهدف إلى توازن العلاقات مع القوى العظمى، بما يسهم في تعزيز استقرارها الداخلي ويحقق التنمية المستدامة. المحللون يعتبرون أن هذه اللحظة تمثل فرصة تاريخية لبنغلاديش لإعادة تعريف دورها في المنطقة، مما قد يساهم في تحقيق تطلعاتها المستقبلية ويعزز ثقة المجتمع الدولي في قدرتها على تجاوز الأزمات

مشاركة

المزيد من المقالات