انتخابات الرئاسة الأميركية 2024: رؤية واستطاعات

يشهد سباق الانتخابات الرئاسية الأميركية، المقرر إجراؤها في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، تنافسًا شديدًا بين المرشحة الديمقراطية نائبة الرئيس الحالي كامالا هاريس، والمرشح الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب. وتُظهر استطلاعات الرأي أن حملة هاريس حققت نجاحات كبيرة كانت محلّ شك قبل أسابيع قليلة، عندما أعلن الرئيس جو بايدن انسحابه من السباق الرئاسي في تموز/ يوليو 2024، بعد أدائه المتواضع في المناظرة الرئاسية التي جمعته مع ترامب، وتزايد المخاوف في أروقة الحزب الديمقراطي بشأن قدرته على هزيمة ترامب. وعلى الرغم من دخول هاريس السباق الانتخابي وحصولها على الترشيح الرسمي عن الحزب الديمقراطي مطلع آب/ أغسطس، أي قبل ثلاثة شهور فقط من الانتخابات الرئاسية، فإنها نجحت في بثّ الحماسة من جديد في صفوف الديمقراطيين الذين كانوا محبطين من تعثّر بايدن وسوء أدائه.

استطلاعات الرأي

تشير غالبية استطلاعات الرأي التي أُجريت بعد المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي (19-22 آب/ أغسطس 2024) وحتى نهاية الشهر نفسه، إلى تقدّم هاريس تقدمًا طفيفًا على ترامب على مستوى الولايات عامة بما فيها عدد من الولايات المتأرجحة. ومع أن ثمّة استطلاعات أخرى تُظهر تقدمًا طفيفًا لترامب على مستوى الولايات أو في بعض الولايات المتأرجحة، فإنها ليست بالقيمة ذاتها كمًا ونوعًا. ولا يمكن الجزم، بناءً على الاستطلاعات المتوافرة إلى الآن، بمن سيفوز في الانتخابات الرئاسية، إذ إن جلّ نتائجها يقع ضمن هامش الخطأ، ومن المبكر تحديد المرشح الفائز قبل شهرين تقريبًا من موعد الانتخابات، وهي فترة قد تقع فيها أحداث كثيرة تؤثّر في رأي الناخبين وخياراتهم، فضلًا عن أنه سبق أن ثبت خطأ الاستطلاعات في انتخابات سابقة، كما حدث في عامي 2016 و2022. وعلى الرغم من ذلك، فإنه لا يمكن التقليل من أهمية الاستطلاعات بعد انسحاب بايدن وترشّح هاريس مكانه، فقد انعكس ذلك في التحول الكبير[1] في منحاها البياني، والتي كان معظمها يُظهر خسارة بايدن أمام ترامب على مستوى الولايات عامة بما فيها غالبية الولايات المتأرجحة السبع، وهي: ويسكنسن وبنسلفانيا وميشيغان وجورجيا ونورث كارولينا وأريزونا ونيفادا. ويفسر بعض خبراء استطلاعات الرأي تقدّم هاريس على ترامب، أو تقليصها، على الأقل، للفارق الذي كان قائمًا بينه وبين بايدن، بنجاحها في استثارة حماسة الديمقراطيين والمستقلين ذوي الميول الديمقراطية، وليس لتراجع مستوى تأييد ترامب الذي بقي ثابتًا منذ تموز/ يوليو؛ أي قبل ترشح هاريس رسميًا.

وبحسب استطلاع لمؤسسة غالوب صدر في 29 آب/ أغسطس 2024، فإن ارتفاع حماسة الديمقراطيين للانتخابات بعد انسحاب بايدن وترشح هاريس رفع من متوسط حماسة الأميركيين عامة للانتخابات إلى مستويات غير مسبوقة في الأربعة والعشرين عامًا الماضية. وبيّنت نتائج هذا الاستطلاع أن نسبة حماسة الديمقراطيين ومن يميلون إلى التصويت معهم تبلغ الآن 78 في المئة؛ أي أقل من أعلى مستوى وصلته في شباط/ فبراير 2008 بنقطة واحدة، عندما كان باراك أوباما وهيلاري كلينتون يتنافسان في الانتخابات الديمقراطية التمهيدية. وتمثل هذه النسبة قفزة كبيرة عمّا كانت عليه بين الديمقراطيين ومن يميلون إلى التصويت معهم في آذار/ مارس 2024 (55 في المئة)، عندما كان بايدن ما زال مرشح الحزب. ويشير الاستطلاع نفسه إلى أن نسبة حماسة الجمهوريين ومن يميلون إلى التصويت معهم تبلغ حاليًا 64 في المئة، وهي أعلى مما كانت عليه في الربيع الماضي (59 في المئة). في حين تبلغ نسبة حماسة الناخبين الأميركيين عمومًا للمشاركة في الانتخابات 69 في المئة الآن، مقارنة بـ 54 في المئة في آذار/ مارس.

وأشار استطلاع رأي آخر أجرته فوكس نيوز، صدر في 28 آب/ أغسطس 2024، إلى أن الديمقراطيين أكثر ميلًا إلى دعم هاريس (96 في المئة) من ميل الجمهوريين إلى دعم ترامب (94 في المئة)، في حين يفضّل المستقلون هاريس بفارق 6 في المئة. وأشار استطلاع للرأي أجرته صحيفة نيويورك تايمز ومعهد أبحاث كلية سيينا، ونشر في 10 آب/ أغسطس 2024، أي بعد أن أصبحت هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي، إلى ارتفاع رضا الناخبين الديمقراطيين عن مرشحهم في ثلاث ولايات متأرجحة، هي بنسلفانيا وميشيغان وويسكنسن، بنسبة 27 في المئة مقارنةً بما كان عليه الحال في أيار/ مايو.

وبحسب تحليل لعدد من استطلاعات الرأي الوطنية أجراه الموقع المتخصص في تحليل البيانات واستطلاعات الرأي FiveThirtyEight، وصدر في 27 آب/ أغسطس 2024، فإن هاريس تتقدم على ترامب على مستوى الولايات عامة بنسبة 3.5 في المئة وسطيًا. إلا أن تحليلًا آخر أجرته صحيفة واشنطن بوست، ونشر بعد يوم واحد من التحليل الأول، أشار إلى أن تقدّم هاريس على ترامب على مستوى الولايات يصل إلى 2 في المئة، وأن هذه النسبة كالتي سبقتها تبقى ضمن هامش الخطأ؛ وهو ما يعني أن هاريس استطاعت أن تقلب تقدّم ترامب السابق على بايدن على مستوى الولايات بسبع نقاط (48-41 في المئة) لصالحها. وهذا التحول من نسبة تأييد بادين إلى نسبة تأييد هاريس لا يقع ضمن هامش الخطأ. ويفسر تحليل واشنطن بوست تقدّم هاريس بتوسعتها للفارق مع ترامب في ثلاث ولايات متأرجحة في الغرب الأوسط (حزام الصدأ)، هي: ويسكنسن، وتتقدم فيها بثلاث نقاط مئوية، وبنسلفانيا وتتقدم فيها بنقطتين مئويتين، وميشيغان وتتقدم فيها بأقل من نقطة مئوية واحدة. ويتقدم ترامب، بحسب التحليل نفسه، في أربع ولايات متأرجحة أخرى في المنطقة المعروفة بـ “حزام الشمس”، وهي: جورجيا ونورث كارولينا وأريزونا ونيفادا، لكنه حتى لو فاز فيها، فإنه سيحتاج إلى ولاية متأرجحة أخرى كي يتمكن من ضمان 270 ممثلًا في المجمع الانتخابي Electoral College، والفوز بالرئاسة.

وكان استطلاع للرأي أجرته ياهو نيوز وشركة “يوغوف” Yahoo News/ YouGov، ونُشر في 27 آب/ أغسطس 2024، أشار إلى أن 39 في المئة من الأميركيين يرون أن هاريس لديها فرصة أكبر للفوز في الانتخابات، مقابل 36 في المئة لترامب.

وعلى النقيض من تحليل واشنطن بوست، وجد استطلاع لـ فوكس نيوز أن هاريس تتقدم على ترامب بنقطة مئوية في ولاية أريزونا، وبنقطتين مئويتين في جورجيا ونيفادا، في حين يتقدم ترامب عليها بنقطة مئوية في نورث كارولينا. وعلى الرغم من أن جميع النسب السابقة تقع ضمن هامش الخطأ، فإنها تمثّل تقدّمًا كبيرًا عمّا كان عليه الحال قبل أسابيع قليلة عندما كان بايدن المرشح الديمقراطي، إذ كان ترامب متقدمًا عليه بخمس نقاط في أريزونا ونيفادا (حزيران/ يونيو)، وست نقاط في جورجيا (نيسان/ أبريل)، وخمس نقاط في نورث كارولينا (شباط/ فبراير). ويُذكر هنا أن بايدن فاز بأريزونا وجورجيا بأقل من نقطة مئوية في انتخابات عام 2020، وبنقطتين مئويتين في نيفادا، في حين فاز ترامب بنورث كارولينا بما يزيد قليلًا على نقطة واحدة. وبوجه عام، تتقدم هاريس على ترامب في متوسط الولايات الأربع السابقة بنقطة واحدة (50-49 في المئة)، وهو ما يقع ضمن هامش الخطأ.

وما يزيد في عدم اليقين حول التوقعات بشأن الانتخابات الرئاسية الأميركية أن استطلاعًا للرأي أجرته وكالة رويترز وشركة “إبسوس”، ونشر في 29 آب/ أغسطس 2024، وجد أن ترامب يتقدّم على هاريس في الولايات المتأرجحة السبع المذكورة بنسبة 45-43 في المئة، في حين أظهر استطلاع آخر للرأي أجرته وكالة بلومبرغ نيوز وشركة “مورنينغ كونسلت” Bloomberg News/Morning Consult، في 30 آب/ أغسطس 2024، ونُشرت نتائجه في اليوم نفسه، أن هاريس إما متقدمة أو متعادلة مع ترامب في الولايات نفسها. وأظهر استطلاع للرأي أجرته شركة SurveyUSA، بالاشتراك مع شبكات تلفزيون محلية في ولاية مينيسوتا، أن ترامب قلّص تقدّم هاريس في الولاية إلى النصف، ما بين نهاية تموز/ يوليو ونهاية آب/ أغسطس، وتحديدًا من 50-40 في المئة إلى 48-43 في المئة، على الرغم من اختيار هاريس لحاكم الولاية (تيم والز) نائبًا لها. وينسحب الأمر نفسه على ولايات متأرجحة أخرى. فمثلًا، وفقًا لاستطلاع رأي أجرته مجموعة “ترافالغار” Trafalgar Group، ونُشر في نهاية آب/ أغسطس، فإن هاريس وترامب متعادلان فعليًا في ثلاث ولايات متأرجحة في الغرب الأوسط. وبحسب نتائج هذا الاستطلاع، يتقدم ترامب على هاريس في ميشيغان بنسبة 0.4 في المئة، و1.1 في المئة في ويسكنسن، و2.1 في المئة في بنسلفانيا. وتقع هذه النسب أيضًا ضمن هامش الخطأ الذي يبلغ هنا 2.9 في المئة.

أما عندما يُضمَّن المرشحون الثلاثة الآخرون للانتخابات الرئاسية (مرشحة حزب الخضر جيل ستاين، والمرشحان المستقلان تشيس أوليفر وكورنيل ويست)، فإن هاريس تبقى متقدمة بنقطة مئوية واحدة على ترامب على مستوى الولايات عامة (48-47 في المئة). وعلى الرغم من أن المرشح المستقل روبرت ف. كينيدي الذي تُظهر استطلاعات الرأي أنه يحظى بدعم 8 في المئة من الناخبين، كان قد أعلن انسحابه من السباق الانتخابي في 23 آب/ أغسطس، ودعمه لترامب، فإن ذلك لا يبدو أنه أثّر في زخم الانتخابات لصالح هاريس.

القضايا التي تهمّ الناخبين

تُظهر استطلاعات الرأي في الولايات المتأرجحة السبع أن الاقتصاد يتصدّر أولويات الناخب الأميركي واهتماماته (41 في المئة)، متبوعًا بالهجرة (14 في المئة)، فالإجهاض (13 في المئة)، ثمّ الرعاية الصحية (8 في المئة)، فالديمقراطية وتوحيد البلاد ونزاهة الانتخابات (7 في المئة). وبحسب تلك الاستطلاعات، فإن ترامب يتقدّم في ملفيّ الاقتصاد والهجرة، في حين تتقدّم هاريس في ملفات الإجهاض والرعاية الصحية والديمقراطية وتوحيد البلاد ونزاهة الانتخابات. وتشير الاستطلاعات إلى أن هاريس نجحت في تقليص تقدّم ترامب في عدد من القضايا مقارنةً بما كان عليه الحال حينما كان بايدن هو المرشح الديمقراطي. ويرى بعض المحللين السياسيين الأميركيين أن هاريس نجحت في طرح نفسها بوصفها مرشحة “التغيير”، على الرغم من كونها نائبة الرئيس الحالي في وقت تتزايد فيه الهواجس بشأن ملفَي الاقتصاد والهجرة.

في الملف الاقتصادي، يشير استطلاع للرأي إلى أن ترامب سيكون أفضل في إدارة الاقتصاد والوظائف (45 في المئة) مقارنةً بهاريس (36 في المئة). أما في ملف الإجهاض، فيفضّل الناخبون هاريس على ترامب بنسبة 47-31 في المئة. ويرى معظم الناخبين أن هاريس أكثر قدرة مقارنةً بترامب (50-47 في المئة) على توحيد البلاد، وأنها أكثر استعدادًا “للدفاع” عن المواطنين العاديين.

وتواجه هاريس مشكلةً في كسب أصوات العرب والمسلمين الأميركيين بسبب دعم إدارة بايدن، التي تشغل فيها منصب نائب الرئيس، للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. ففي حين يتقدم ترامب في الاستطلاعات العامة عليها لناحية الموقف من دعم إسرائيل، فإنها في حاجة إلى أصوات المسلمين، خصوصًا في بعض الولايات المتأرجحة كميشيغان وبنسلفانيا وجورجيا. وبحسب استطلاع للرأي أجراه مجلس العلاقات الأميركية – الإسلامية “كير” CAIR، ونُشرت نتائجه في 29 آب/ أغسطس 2024، فإن 29.4 في المئة فقط من المسلمين الأميركيين ينوون التصويت لهاريس، وهو ما يعادل تقريبًا النسبة التي ستصوّت منهم لجيل ستاين (29.1 في المئة). وتغامر هاريس بخسارة ولاية ميشيغان تحديدًا إذا لم تستطع استمالة العرب والمسلمين الأميركيين، حيث إن خطابها في المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي جاء مخيّبًا لآمالهم.

خاتمة

تُظهر غالبية استطلاعات الرأي تقدّم هاريس على مستوى الولايات عامة بما فيها غالبية الولايات المتأرجحة، إلا أن التحدي الأبرز أمامها يتمثل في قدرتها على الحفاظ على الزخم الذي رافق ترشّحها عن الحزب الديمقراطي وتعيينها لحاكم ولاية مينيسوتا تيم والز نائبًا لها. ومن المعروف أن الانتخابات الرئاسية لا تُحسم بالأصوات الشعبية، وإنما بعدد الممثلين في المجمع الانتخابي، وهو ما يتطلب الفوز بمعظم الولايات المتأرجحة السبع. ولا يمكن هنا التقليل من فرص ترامب، خصوصًا في ظل التحديات التي تواجه الاقتصاد الأميركي، وحقيقة أن هاريس محسوبة على إدارة بايدن بصفتها نائبة الرئيس، بمعنى أنها لا تستطيع أن تتنصل من المسؤولية، خصوصًا إذا ساءت الأوضاع الاقتصادية أكثر ولم تنخفض نسب التضخم على نحو ملحوظ. وستركز الأنظار، في 10 أيلول/ سبتمبر، على المناظرة الرئاسية المقررة بين هاريس وترامب، ويرجّح أن يكون أداء المرشحَين فيها مهمًا لجهة تحديد خيار الكثير من الناخبين، كما جرى مع بايدن في حزيران/ يونيو الماضي.

مشاركة

المزيد من المقالات